03 ديسمبر 2024 | 02 جمادى الثانية 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

الشيخ محمود الطبيب: إن إصلاح ذات البين من مقاصد الإسلام العظيمة وهو باب من أبواب الجنة

11 أكتوبر 2015

من رحمة الله تعالى وهدايته للخلق، أن جمع بين شتاتهم وهداهم إلى معالم الدين، فأزال الضغائن من الصدور، وشفا الله تعالى بالإسلام قلوبا، فأصبح الناس بنعمة الله تعالى إخوانا متحابين متجالسين متزاورين، كالبنيان يشد بعضه بعضا، وما من سبيل للإصلاح إلا ودعا الأسلام إلى نهجه وسلوكه، مادام يُفضي إلى الوحدة وإلى التئام الصف وإلى جمع الكلمة.

حول هذا الموضوع يتحدث فضيلة الشيخ محمود الطبيب – الداعية والقارئ – مؤكدا أن جمع الكلمة والإصلاح مابين الناس من أعظم القربات إلى الله تعالى، فلقد جعل الله تعالى خير الناس أولئك المصلحون، الذين لا يؤلون جهدا في إصلاح ما أفسده البعض، يجمع الله بهم بين المتخاصمين، ويهتدي بهم الخلق إلى سواء السبيل، ولذلك جاءت الشريعة لتأمر بكل ما من شأنه إصلاح ذات البين، فحرمت العقوق، وقطيعة الأرحام، كما حرمت أذية الجار، والإساءة إلى الناس، والأدلة على ذلك من القرآن والسنة أكثر من أن تُحصى وتُعد.
يقول الله تبارك وتعالى
} فَاتَّقٌواْ الله وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم{ الأنفال:1، ويقول }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم{ الحُجرات :10.


يرى الشيخ أن تقريب وجهات النظر بين المتنازعين والصلح بين الناس والاشتغال به من أعظم المهام التي يرضى الله تعالى عن فاعلها، وهو عمل الصالحون والمصلحون، فإصلاح ذات البين هو مهمة جليلة جدا انفرد بها المصلحون، ليس كل واحد قادر أن يتصدى لها، بسبب ما يطرأ كل يوم من تغيرات على حال المسلمين، فكثيرا من الناس اليوم متشنجون متوترون، تنشب بينهم العداوات والمشاحنات لأتفه الأسباب وأبسط القضايا، الأمر الذي جعل أمتنا اليوم في أشد الحاجة إلى عقلاء أصحاب حكمة ودين، لوأد الشقاق والمشاحنات، وتقليص نقاط الخلاف.


يقول بعض العلماء أن المصلح خير من الصالح، فالصالح لا يتعدّ صلاحه لنفسه، أما المصلح بين الناس فيقيم الله به أمة، فينقل الكلم الطيب، ولا يوغر الصدور، ويُرَخّص له أن ينقل كلام الناس بعضهم لبعض – الذي لا يُعد كذِبا – وإنما وسيلة لرأب الصدع وجمع شتات الناس وإصلاح ذات بينهم.


إن من يؤلف بين القلوب المتناقرة ينال أجرا عظيما من الله تعالى، لأن القطيعة بين الأفراد والمجتمعات مفسدة، وأي مفسدة، فحينما يغيب هؤلاء المصلحون فانظر لأحوال الناس، لن تجد مكانا إلا وفيه اختلاف بين المسلمين حول أمر من الأمور، قال الله تعالى }وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين{ سورة هود : 118، لكن الخلاف لا يعني أن يسود البُغض والكره، وابراز النعرات والانقسامات، فالشيطام متربص لابن آدم ليوقع بين الناس العداوة والبغضاء، هنا ينبغي أن يُوصد كل باب يمكن لإبليس أن ينفذ منه، كلما أوقد نارا للحرب أطفأها الله وعباده المصلحون، لذلك ينبغي على من يتصدّى للإصلاح أن يُخلص النية لله، فيوم أن تصفو النفوس يأت توفيق الله عز وجل.

من جهة أخرى يرى الشيخ أن المصلح لا بد وأن يتسلح بالعلم الشرعي، فحينما تقع الخصومات، يحتاج الذي يتصدي للفصل مابين المتنازعين إلى الأدلة الشرعية ليقنع الناس أن مايقعون فيه حرام ومخالف لشرع الله، ويُفضي إلى الإفساد في الأرض، فربما يقع الخلاف على أموال ومواريث، حينئذ سيحتاج إلى أدلة شرعية وضوابط فقهية لإعادة التقسيم وِفق شرع الله.


مع مراعاة الحذر من أن يسمع لأحد المتخاصمين دون الآخر، لئلا يوغر صدره، بل ينبغي أن يسمع لكليهما بتمعن، حتى يفهم أبعاد القضية، وعليه كذلك أن يُحسن اختيار الكلمات والعبارات في النُصح، للتقريب بين القلوب المتنافرة، واعادة الحقوق لأصحابها بهدوء دون غلظة، فالإصلاح ما بين الأقارب والأرحام يحفظ الحقوق ويُجنب القطيعة والشحناء، والإصلاح ما بين الأهل والأزواج يحفظ كيان الأُسر من التصدع والضياع، والإصلاح بين الطوائف والجماعات يُجنب الأمة الخراب والمهالك.

إن حقن دماء المسلمين وإصلاح ذات بينهم من أعظم القربات عند الله سبحانه وتعالى، فلا ينبغي أن يُترك باب من أبواب الإصلاح إلا ويسعى الناس فيه، تعظيما لحرمات الله، حتى تتحقق الطمأنينة والأمان، ويصبح الناس أمة واحدة آمنين مطمئنين، يقول عز من قائل: }وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا{ الحجرات: 9.

ويعود الشيخ ليؤكد أن إصلاح ذات البين من مقاصد الإسلام العظيمة، وتعاليمة الحسنة القويمة، وهو باب من أبواب الجنة، فيه وقاية من الفتن الخاصة والعامة، وهو سدٌ لمداخيل الشيطان، وهو دعوة الأنبياء والمرسلين، من أراد أن يقتدي، فليقتدي بهم، كما قال الله تعالى على لسان نبيه شعيب عليه السلام: }إِنْ أُرِيدُ الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعت وَمَا تَوْفِيقِي إِلّا بالله{ سورة هود: 88.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت